فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (17):

{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)}
{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} إنكار بعد إقامة الدلائل المتكاثرة على كمال قدرته وتناهي حكمته، والتفرد بخلق ما عدد من مبدعاته لأن يساويه ويستحق مشاركته ما لا يقدر على خلق شيء من ذلك بل على إيجاد شيء ما، وكان حق الكلام أفمن لا يخلق كمن يخلق، لكنه عكس تنبيهاً على أنهم بالإشراك بالله سبحانه وتعالى جعلوه من جنس المخلوقات العجزة شبيهاً بها، والمراد بمن لا يخلق كل ما عبد من دون الله سبحانه وتعالى مغلباً فيه أولو العلم منهم أو الأصنام، وأجروها مجرى أولي العلم لأنهم سموها آلهة ومن حق الإِله أن يعلم، أو للمشاكلة بينه وبين من يخلق أو للمبالغة وكأنه قيل: إن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم فكيف بما لا علم عنده، {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} فتعرفوا فساد ذلك فإنه لجلائه كالحاصل للعقل الذي يحضر عنده بأدنى تذكر والتفات.

.تفسير الآية رقم (18):

{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)}
{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا} لا تضبطوا عددها فضلاً أن يطيقوا القيام بشكرها، أتبع ذلك تعداد النعم وإلزام الحجة على تفرده باستحقاق العبادة تنبيهاً على أن وراء ما عَدَّدَ نعماً لا تنحصر، وأن حق عبادته تعالى غير مقدور. {إِنَّ الله لَغَفُورٌ} حيث يتجاوز عن التقصير في أداء شكرها. {رَّحِيمٌ} لا يقطعها لتفريطكم فيه ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها.

.تفسير الآية رقم (19):

{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)}
{والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} من عقائدكم وأعمالكم، وهو وعيد وتزييف للشرك باعتبار العلم بعد تزييفه باعتبار القدرة.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)}
{والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله} أي والآلهة الذين تعبدونهم من دونه. وقرأ أبو بكر {يدعون} بالياء. وقرأ حفص ثلاثتها بالياء. {لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا} لما نفى المشاركة بين من يخلق ومن لا يخلق بين أنهم لا يخلقون شيئاً لينتج أنهم لا يشاركونه، ثم أكد ذلك بأن أثبت لهم صفات تنافي الألوهية فقال: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} لأنهم ذوات ممكنة مفتقرة الوجود إلى التخليق، والإِله ينبغي أن يكون واجب الوجود.

.تفسير الآية رقم (21):

{أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)}
{أَمْوَاتٌ} هم أموات لا تعتريهم الحياة، أو أموات حالاً أو مآلاً. {غَيْرُ أَحْيَاء} بالذات ليتناول كل معبود، والإِله ينبغي أن يكون حياً بالذات لا يعتريه الممات. {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} ولا يعلمون وقت بعثهم، أو بعث عبدتهم فكيف يكون لهم وقت جزاء على عبادتهم، والإِله ينبغي أن يكون عالماً بالغيوب مقدراً للثواب والعقاب، وفيه تنبيه على أن البعث من توابع التكليف.

.تفسير الآية رقم (22):

{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)}
{إلهكم إله واحد} تكرير للمدعى بعد إقامة الحجج. {فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ}. بيان لما اقتضى إصرارهم بعد وضوح الحق وذلك عدم إيمانهم بالآخرة، فإن المؤمن بها يكون طالباً للدلائل متأملاً فيما يسمع فينتفع به، والكافر بها يكون حاله بالعكس وإنكار قلوبهم ما لا يعرف إلا بالبرهان إتباعاً للأسلاف وركوناً إلى المألوف، فإنه ينافي النظر والاستكبار عن اتباع الرسول وتصديقه والالتفات إلى قوله، والأول هو العمدة في الباب ولذلك رتب عليه ثبوت الآخرين.

.تفسير الآية رقم (23):

{لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)}
{لاَ جَرَمَ} حقاً. {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} فيجازيهم، وهو في موضع الرفع ب {جَرَمَ} لأنه مصدر أو فعل. {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين} فضلاً عن الذين استكبروا عن توحيده أو اتباع الرسول.

.تفسير الآية رقم (24):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)}
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ} القائل بعضهم على التهكم أو الوافدون عليهم أو المسلمون. {قَالُواْ أساطير الأولين} أي ما تدعون نزوله، أو المنزل أساطير الأولين، وإنما سموه منزلاً على التهكم أو على الفرض أي على تقدير أنه منزل فهو أساطير الأولين لا تحقيق فيه، والقائلون قيل هم المقتسمون.

.تفسير الآية رقم (25):

{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)}
{لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة} أي قالوا ذلك إضلالاً للناس فحملوا أوزار ضلالهم كاملة فإن إضلالهم نتيجة رسوخهم في الضلال. {وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ} وبعض أوزار ضلال من يضلونهم وهو حصة التسبب. {بِغَيْرِ عِلْمٍ} حال من المفعول أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال، وفائدتها الدلالة على أن جهلهم لا يعذرهم، إذ كان عليهم أن يبحثوا ويميزوا بين المحق والمبطل. {أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} بئس شيئاً يزرونه فعلهم.

.تفسير الآية رقم (26):

{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)}
{قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ} أي سووا منصوبات ليمكروا بها رسل الله عليهم الصلاة والسلام. {فَأَتَى الله بنيانهم مِّنَ القواعد} فأتاها أمره من جهة العمد التي بنوا عليها بأن ضعضعت. {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ} وصار سبب هلاكهم. {وأتاهم العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} لا يحتسبون ولا يتوقعون، وهو على سبيل التمثيل. وقيل المراد به نمروذ بن كنعان بنى الصرح ببابل سمكه خمسة آلاف ذراع ليترصد أمر السماء، فأهب الله الريح فخر عليه وعلى قومه فهلكوا.

.تفسير الآية رقم (27):

{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)}
{ثُمَّ يَوْمَ القيامة يُخْزِيهِمْ} يذلهم أو يعذبهم بالنار كقوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ} أضاف إلى نفسه استهزاء، أو حكاية لإِضافتهم زيادة في توبيخهم. {الذين كُنتُمْ تشاقون فِيهِمْ} تعادون المؤمنين في شأنهم. وقرأ نافع بكسر النون بمعنى تشاقونني فإن مشاقة المؤمنين كمشاقة الله عز وجل. {وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم} أي الأَنبياء والعلماء الذين كانوا يدعونهم إلى التوحيد فيشاقونهم ويتكبرون عليهم، أو الملائكة. {إِنَّ الخزي اليوم والسوء} الذلة والعذاب. {عَلَى الكافرين} وفائدة قولهم إظهار الشماتة بهم وزيادة الإِهانة، وحكايته لأن يكون لطفاً ووعظاً لمن سمعه.

.تفسير الآية رقم (28):

{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}
{الذين تتوفاهم الملائكة} وقرأ حمزة بالياء. وقرئ بإدغام في التاء وموضع الموصول يحتمل الأوجه الثلاثة {ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} بأن عرضوها للعذاب المخلد. {فَأَلْقَوُاْ السلم} فسالموا وأخبتوا حين عاينوا الموت. {مَا كُنَّا} قائلين ما كنا. {نَعْمَلُ مِن سُوء} كفر وعدوان، ويجوز أن يكون تفسيراً ل {السلم} على أن المراد به القول الدال على الاستسلام. {بلى} أي فتجيبهم الملائكة بلى. {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فهو يجازيكم عليه، وقيل قوله: {فَأَلْقَوُاْ السلم} إلى آخر الآية استئناف ورجوع إلى شرح حالهم يوم القيامة، وعلى هذا أول من لم يجوز الكذب يومئذ {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوء} بأنا لم نكن في زعمنا واعتقادنا عاملين سوءاً، ويحتمل أن يكون الراد عليهم هو الله تعالى، أو أولوا العلم.

.تفسير الآيات (29- 40):

{فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)}
{فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} كل صنف بابها المعد له. وقيل أبواب جهنم أصناف عذابها. {خالدين فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} جهنم.
{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا} يعني المؤمنين. {مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا} أي أنزل خيراً، وفي نصبه دليل على أنهم لم يتلعثموا في الجواب، وأطبقوه على السؤال معترفين بالإِنزال على خلاف الكفرة. روي أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء الوافد المقتسمين قالوا له ما قالوا وإذا جاء المؤمنين قالوا لهم ذلك. {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ} مكافأة في الدنيا. {وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ} أي ولثوابهم في الآخرة خير منها، وهو عدة للذين اتقوا على قولهم، ويجوز أن يكون بما بعده حكاية لقولهم بدلاً وتفسيراً ل {خَيْرًا} على أنه منتصب ب {قَالُواْ}. {وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين} دار الآخرة فحذفت لتقدم ذكرها وقولِه: {جنات عَدْنٍ} خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون المخصوص بالمدح. {يَدْخُلُونَهَا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ} من أنواع المشتهيات، وفي تقديم الظرف تنبيه على أن الإِنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة. {كَذَلِكَ يَجْزِي الله المتقين} مثل هذا الجزاء يجزيهم وهو يؤيد الوجه الأول.
{الذين تتوفاهم الملائكة طَيّبِينَ} طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي لأنه في مقابلة {ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ}. وقيل فرحين ببشارة الملائكة إياهم بالجنة، أو طيبين بقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية إلى حضرة القدس. {يَقُولُونَ سلام عَلَيْكُمُ} لا يحيقكم بعد مكروه. {ادخلوا الجنة بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} حين تبعثون فإنها معدة لكم على أعمالكم. وقيل هذا التوفي وفاة الحشر لأن الأمر بالدخول حينئذ.
{هَلْ يَنظُرُونَ} ما ينتظر الكفار المار ذكرهم. {إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة} لقبض أرواحهم. وقرأ حمزة والكسائي بالياء. {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبّكَ} القيامة أو العذاب المستأصل. {كذلك} مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب. {فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} فأصابهم ما أصابوا. {وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} بتدميرهم. {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بكفرهم ومعاصيهم المؤدية إليه. {فَأَصَابَهُمْ سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} أي جزاء سيئات أعمالهم على حذف المضاف، أو تسمية الجزاء باسمها. {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} وأحاط بهم جزاؤه والحيق لا يستعمل إلا في الشر.
{وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآء الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْء نَّحْنُ وَلا ءَابَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ من شيء} إنما قالوا ذلك استهزاء أو منعاً للبعثة والتكليف متمسكين بأن ما شاء الله يجب وما لم يشأ يمتنع فما الفائدة فيها، أو إنكاراً لقبح ما أنكر عليهم من الشرك وتحريم البحائر ونحوها محتجين بأنها لو كانت مستقبحة لما شاء الله صدورها عنهم ولشاء خلافه، ملجئاً إليه لا اعتذاراً إذ لم يعتقدوا قبح أعمالهم، وفيما بعده تنبيه على الجواب عن الشبهتين.
{كَذَلِكَ فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} فأشركوا بالله وحرموا حله وردوا رسله. {فَهَلْ عَلَى الرسل إِلاَّ البلاغ المبين} إلا الإِبلاغ الموضح للحق وهو لا يؤثر في هدى من شاء الله هداه لكنه يؤدي إليه على سبيل التوسط، وما شاء الله وقوعه إنما يجب وقوعه لا مطلقاً بل بأسباب قدرها له، ثم بين أن البعثة أمر جرت به السنة الإِلهية في الأمم كلها سبباً لهدى من أراد اهتداءه وزيادة لضلال من أراد ضلاله، كالغذاء الصالح فإنه ينفع المزاج السوي ويقويه ويضر المنحرف ويفنيه بقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} يأمر بعبادة الله تعالى واجتناب الطاغوت. {فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله} وفقهم للإِيمان بإرشادهم. {وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة} إذ لم يوفقهم ولم يرد هداهم، وفيه تنبيه على فساد الشبهة الثانية لما فيه من الدلالة على أن تحقق الضلال وثباته بفعل الله تعالى وإرادته من حيث أنه قسم من هدى الله، وقد صرح به في الآية الأخرى. {فَسِيرُواْ في الأرض} يا معشر قريش. {فانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين} من عاد وثمود وغيرهم لعلكم تعتبرون.
{إِن تَحْرِصْ} يا محمد. {على هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ} من يريد ضلاله وهو المعني بمن حقت عليه الضلالة. وقرأ غير الكوفيين {لاَّ يَهِدِّي} على البناء للمفعول وهو أبلغ. {وَمَا لَهُم مّن ناصرين} من ينصرهم بدفع العذاب عنهم.
{وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ} عطف على {وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ} إيذاناً بأنهم كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث مقسمين عليه زيادة في البيت على فساده، ولقد رد الله عليهم أبلغ رد فقال: {بلى} يبعثهم. {وَعْداً} مصدر مؤكد لنفسه وهو ما دل عليه {بلى} فإن يبعث موعد من الله. {عَلَيْهِ} إنجازه لامتناع الخلف في وعده، أو لأن البعث مقتضى حكمته. {حَقّاً} صفة أخرى للوعد. {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} أنهم يبعثون وإما لعدم علمهم بأنه من مواجب الحكمة التي جرت عادته بمراعاتها، وإما لقصور نظرهم بالمألوف فيتوهمون امتناعه، ثم إنه تعالى بين الأمرين فقال: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} أي يبعثهم {لِيُبَيّنَ لَهُمُ}. {الذي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} وهو الحق. {وَلِيَعْلَمَ الذين كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كاذبين} فيما يزعمون، وهو إشارة إلى السبب الداعي إلى البعث المقتضي له من حيث الحكمة، وهو المميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل بالثواب والعقاب ثم قال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وهو بيان إمكانية وتقريره أن تكوين الله بمحض قدرته ومشيئته لا توقف له على سبق المواد والمدد، وإلاَّ لزم التسلسل فكما أمكن له تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادة ومثال أمكن له تكوينها إعادة بعده، ونصب ابن عامر والكسائي هاهنا وفي (يس) فيكون عطفاً على نقول أو جواباً للأمر.